الاقتصاد الاجتماعي التضامني وأهداف التنمية المستدامة

يُعد الاقتصاد الاجتماعي والتضامني ركيزة أساسية لتحقيق أهداف التنمية المستدامة التي حددتها الأمم المتحدة سنة 2015. من خلال الجمع بين التضامن والتعاون والابتكار، يُعتبر هذا الاقتصاد رافعة استراتيجية لمواجهة التحديات الاجتماعية والاقتصادية والبيئية للقرن الحادي والعشرين. ويركز نموذجه على الإنسان والاستدامة، مما يخلق ديناميات من الادماج والعدالة الاجتماعية، مساهما كذلك في حماية البيئة. من خلال سلسلة من المبادرات الملموسة والمحلية، يعمل الاقتصاد الاجتماعي والتضامني على تقليص الفوارق، وتحسين ظروف المعيشة، والحفاظ على الموارد الطبيعية، وتعزيز السلام والحكامة الديمقراطية.


تُجسّد أهداف التنمية المستدامة، التي تغطي مجموعة من القضايا العالمية، ميدانًا طبيعيًا لتدخلات الاقتصاد الاجتماعي والتضامني. فكل هدف من هذه الأهداف، سواء تعلّق الأمر بالقضاء على الفقر، أو ضمان تعليم جيد، أو مواجهة تغيّر المناخ، يجد دعمًا مباشرًا من خلال المبادرات التي تقودها مؤسسات الاقتصاد الاجتماعي والتضامني. وتُبرز هذه الرؤية دور هذا النموذج الاقتصادي كمحرّك للتنمية الدامجة، والمستدامة، والعادلة.

الهدفان 1 و2: القضاء على الفقر والجوع

يساهم الاقتصاد الاجتماعي والتضامني بشكل فعال في القضاء على الفقر والجوع من خلال تعزيز فرص العمل الدامجة والمستدامة، خاصة للفئات الضعيفة. من خلال نماذج اقتصادية بديلة، يتيح هذا الأخير الوصول إلى الموارد والخدمات الأساسية مثل الأمن الغذائي. كما تقلص المبادرات من قبيل التعاونيات الزراعية والمؤسسات الاجتماعية المحلية من الفوارق الاجتماعية والاقتصادية وتعزز مرونة المجتمعات القروية والحضرية. تُعدّ هذه المشاريع أساسية لضمان أمن غذائي أفضل ولمكافحة الفقر، لا سيّما في سياقات الأزمات الغذائية.

الهدفان 3 و4: الصحة الجيدة والرفاه، والتعليم الجيد

يدعم الاقتصاد الاجتماعي والتضامني صحة الأفراد ورفاههم من خلال إنشاء نظم رعاية صحية متاحة ودامجة، ولا سيّما عبر التعاضديات المجتمعية والمؤسسات التي تقدم الدعم للفئات الهشّة. تتيح هذه الهياكل الوصول العادل إلى خدمات العلاج والوقاية. وفي الوقت ذاته، يؤدي الاقتصاد الاجتماعي والتضامني دورًا محوريًّا في مجال التعليم، من خلال ابتكار بدائل تربوية متاحة وملائمة، توفّر فرصًا للتعلّم مدى الحياة. وتُساهم مشاريع التعليم غير النظامي، خصوصًا في المناطق القروية، في تمكين الأفراد من اكتساب مهارات تسهّل إدماجهم الاجتماعي والمهني.

الهدفان 5 و10: المساواة بين الجنسين، والحد من أوجه عدم المساواة

يشكّل الاقتصاد الاجتماعي والتضامني محرّكًا فعّالًا لتحقيق المساواة بين الجنسين والحدّ من الفوارق الاجتماعية والاقتصادية. فمن خلال التعاونيات والمقاولات التضامنية، يعمل هذا النموذج على تمكين النساء، لا سيّما في قطاعات الفلاحة، والصناعة التقليدية، والتجارة. وتساهم هذه المبادرات في مكافحة التمييز القائم على النوع الاجتماعي، وتعزز ولوج النساء إلى فرص اقتصادية منصفة. كما يساهم الاقتصاد الاجتماعي والتضامني، من خلال دعمه لمشاريع إدماج الفئات المهمّشة، في تقليص الفوارق، وذلك عبر تعزيز العدالة الاجتماعية وإعادة توزيع الثروات بشكل أكثر توازنًا.

الهدفان 8 و9: تنمية اقتصادية مستدامة، وتصنيع دامج ومبتكر

يعزّز الاقتصاد الاجتماعي والتضامني تنمية اقتصادية دامجة ومستدامة من خلال تبنّيه لنماذج اقتصادية لا تقتصر على السعي لتحقيق الربح، بل تأخذ بعين الاعتبار العيش الكريم الاجتماعي والبيئي. فالتعاونيات والمقاولات الاجتماعية تساهم في خلق فرص شغل دائمة، خاصة في القطاعات الاستراتيجية مثل الفلاحة المستدامة، وتدبير الموارد البيئية، والخدمات المجتمعية. كما يشجّع الاقتصاد الاجتماعي والتضامني على الابتكار الاجتماعي من خلال دعم الحلول البديلة في مجالات متنوعة مثل تدبير النفايات، والطاقات المتجددة، والتكنولوجيا الملائمة لاحتياجات المجتمعات المحلية، مما يعزّز توجهًا نحو تصنيع مسؤول.

الهدفان 6 و11: المياه النظيفة والصرف الصحي، المدن المستدامة

يسهم الاقتصاد الاجتماعي والتضامني في التدبير المستدام لموارد المياه وخدمات الصرف الصحي، لا سيّما في المناطق النائية أو الهشة. فعلى سبيل المثال، تتيح التعاونيات المتخصصة في تدبير المياه والمبادرات المحلية في مجال التطهير الصحي الوصول العادل إلى هذه الموارد الحيوية. وبالموازاة مع ذلك، يدعم الاقتصاد الاجتماعي والتضامني تطوير مدن مستدامة من خلال مشاريع التخطيط التشاركي، وبناء بنى تحتية مرنة ومتكيفة مع التغيرات المناخية والاجتماعية. كما تعمل المؤسسات الاجتماعية على ابتكار حلول محلية لإدارة النفايات، وتوفير السكن اللائق، وتحسين جودة البيئة الحضرية، بما يسهم في التحول نحو مدن دامجة وآمنة وصديقة للبيئة.

الأهداف 7 و12 و13: طاقة نظيفة وبأسعار معقولة، الاستهلاك والإنتاج المسؤولان، العمل المناخي

يلعب الاقتصاد الاجتماعي والتضامني دورًا رئيسيًا في الانتقال الطاقي من خلال دعم المشاريع المتعلقة بالطاقة المتجددة المتاحة، مثل التعاونيات الشمسية أو الريحية. تتيح هذه المبادرات توفير كهرباء نظيفة للمجتمعات المهمشة، مع تقليل الاعتماد على الطاقات الأحفورية. كما يعزز الاقتصاد الاجتماعي والتضامني أنماط الاستهلاك والإنتاج المستدامة من خلال ممارسات الاقتصاد الدائري ومشاريع إعادة التدوير. إضافة إلى ذلك، تعمل الشركات الاجتماعية والجمعيات بالميدان على تعزيز صمود المجتمعات في مواجهة آثار التغير المناخي، عبر تطوير حلول ملائمة للسياقات المحلية وتشجيع الزراعة المستدامة.

الهدفان 14 و15: الحياة تحت الماء، الحياة في البر

يدعم الاقتصاد الاجتماعي والتضامني الحفاظ على النظم البيئية البحرية والبرية من خلال تطبيق ممارسات الإدارة المستدامة للموارد الطبيعية. تسمح المبادرات المحلية لإدارة مصايد الأسماك أو حفظ الغابات، والتي تديرها غالبًا المجتمعات المحلية، بحماية التنوع البيولوجي ومكافحة تدهور النظم البيئية. بالإضافة إلى ذلك، تساهم مشاريع التشجير والزراعة الحرجية في استعادة التربة وحماية النظم البيئية الطبيعية، مع دعم سبل العيش المحلية والحد من التصحر.

الهدفان 16 و17: السلام والعدل والمؤسسات القوية، عقد الشراكات لتحقيق الأهداف

يلعب الاقتصاد الاجتماعي والتضامني دورًا مركزيًا في تعزيز مجتمعات سلمية ودامجة، من خلال تشجيع المشاركة الديمقراطية والحكامة المحلية والعدالة الاجتماعية. تخلق الشركات الاجتماعية والتعاونيات فضاءات للقرار الجماعي، مما يعزز التماسك الاجتماعي وصمود المجتمعات. كما يدعم الاقتصاد الاجتماعي والتضامني الشراكات العالمية لتحقيق التنمية المستدامة، من خلال تعزيز التعاون بين القطاعين العام والخاص والجمعيات. ويُعتبر فاعلًا أساسيًا في تنفيذ أجندة 2030، مع التركيز على التملك المحلي لحلول التنمية المستدامة وتعبئة الموارد لتحقيق أهداف التنمية المستدامة.